د. فايز الربيع
في فترة الجاهلية عند العرب قبل الأسلام كان المجتمع العربي مجتمعاً قبلياً كان هناك شيخ القبيلة إما بالتوارث أو بالتراضي، وكان للقبيلة مجلس لا يجلس فيه الا من هو فوق الأربعين عاماً وكان للشيخ مواصفات وميزات من الحنكة وسعة الصدر والحلم والتسامح، وكانت الحياة الاجتماعية تفرض طقوساً حتمتها البيئة البدوية ولذلك كان للشيخ نصيبه مما يتوافر من الغزو.
لك المرباع منها والصفايا ** وحلفك والنشيطة والفضول..
وكان الشيخ لا ينفرد برأيه إلا بعد المشورة وبخاصة في القضايا التي تنعكس على أفراد القبيلة، كانت الحروب والغزوات تشكل معلماً واحياناً لأسباب تافهة فرس تسبق فرساً فتنشأ «داحس والغبراء» وناقة كليب وحرب البسوس تدوم الحرب أربعين عاماً ويقول الشعراء قصائد في هذه الحرب كمعلّقة زهير بن أبي سلمي.
جاء الإسلام ليوحد ويصفي الناس ويجعل رابطة العقيدة اساسا للتناصر ومدخلاً للإصلاح وتم تأليف القلوب وتوحدت القبائل بعد مخاض طويل لتشكيل أمة (وأن هذه امتكم امة واحدة) (وألف بين قلوبهم لو انفقت مافي الارض جميعاً ما الفتّ بين قلوبهم) وتشكلت للأسلام دولة كان لها صولة ووحدت العربي والأعجمي والبربري والمغولي والصيني والماليزي والاندونيسي والتركي وغيرهم تحت راية واحدة رفع اخيراً حزب الاتحاد والترقي شعار التتريك لتفكيك الخلافة العثمانية ودخلت القوميات على خط العالم ومن ثم الامة العربية فتدحرجت القواعد وخرّ السقف من وحدة إسلامية إلى عربية قومية إلى قطرية إلى قبلية أو اثنية ليكون التطور الديمقراطي عاملاً يشدنا إلى قرون خلت نرفع فيها رايات للتناحر والصراع وهذا خطر كبير على المجتمع كيف يمكن أن نبني مجتمعاً مدنياً بمرجعية فكرية موحدة في ظل هذا التصارع وشعارنا:
«وما أنا إلاّ من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد »..
غزّية هي العنوان ولكن لا يهّم المحتوى انا في عمري وسنوات خبرتي وتعاملي مع الشأن السياسي العام والحزبي والفكري ومع كل الندوات والمحاضرات التي حضرتها وشاركت فيها أو أعددت لها أجد نفسي اليوم أقول أننا تراجعنا قطرياً ومحلياً على مستوى لحمة المجتمع عن جيل الستينات وما بعدها لم تعدلنا قضية مركزية ندافع عنها ولم تعد لدينا هوية جامعة نقويها الكل يأكل الكل والبعض يأكل الكل وهكذا يا عقلاء الأردن يا مفكري الأردن ايتها النخب السياسية ايها المصلحون ايتها النساء اللواتي ولجن العمل السياسي والثقافي البلد اكبر من حصة او مصلحة نأخذها واجبنا قولوا الديني قولوا القومي قولوا الوطني قولوا القطري قولوا ما شئتم واجبنا ان نوقف التدهور والانحدار لما وصلنا اليه وكلنا مسؤولون حكاماً ومحكومين.